فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {على حِينِ غَفْلَةٍ} في موضع الحال إمَّا من الفاعل: كائنًا على حين غَفْلَةٍ أي: مُسْتَخْفِيًا، وإمَّا من المفعول. وقرأ أبو طالبٍ القارىء {على حينَ} بفتح النون. وتكلَّف الشيخُ تخريجَها على أنه حَمَلَ المصدرَ على الفعل في أنه إذا أضيف الظرفُ إليه جاز بناؤه على الفتح كقوله:
على حينَ عاتَبْتُ المشيب على الصِّبا

و{مِنْ أهلِها} صفةٌ ل {غَفْلَة} أي: صادرةٍ من أهلها.
قوله: {يَقْتَتِلاَنِ} صفةٌ ل {رجلين}. وقال ابن عطية: حال منهما وسيبويه وإنْ كان جَوَّزَها مِن النكرة مُطْلقًا. إلاَّ أنَّ غيرَه وهم الأكثرون يَشْتَرِطون فيها ما يُسَوِّغُ الابتداءَ بها وقرأ نعيم بن ميسرة {يَقَتِّلان} بالإِدغام نَقَلَ فتحَة التاءِ الأولى إلى القافِ وأدغمَ.
قوله: {هذا مِن شِيعَتِهِ} مبتدأٌ وخبرٌ في موضعِ الصفةِ ل {رجلين} أو الحالِ من الضمير في {يَقْتَتِلان} وهو بعيدٌ لعدمِ انتقالها.
وقوله: {هذا} {وهذا} على حكايةِ الحالِ الماضيةِ فكأنهما حاضران. وقال المبردُ: العربُ تُشير ب هذا إلى الغائب وأنشد الجرير:
هذا ابنُ عَمِّي في دمشقَ خليفةً ** لو شِئْتُ ساقَكُمُ إليَّ قَطِينا

قوله: {فاستغاثه} هذه قراءةُ العامَّةِ، من الغَوْثِ أي: طَلَبَ غَوْثَه ونَصْرَه. وقرأ سيبويه وابن مقسم والزعفراني بالعين المهملة، والنون، من الإِعانة. قال ابنُ عطية: هي تصحيفٌ. وقال ابن جبارة صاحب الكامل: الاختيارُ قراءةُ ابنِ مقسم؛ لأنَّ الإِعانة أولى في هذا البابِ. قلت: نسبةُ التصحيفِ إلى هؤلاء غيرُ محمودةٍ، كما أن تَعالِيَ الهُذَليِّ في اختيارِ الشاذِّ غيرُ محمودٍ.
قوله: {فَوَكَزَهُ} أي: دَفَعَه بجميع كَفَّه. والفرقُ بين الوَكْزِ واللَّكْزِ: أنَّ الأولَ بجميعِ الكفِّ، والثانيْ بأطرافِ الأصابِع وقيل: بالعكسِ. والنَّكْزُ كاللَّكْزِ. قال:
يا أَيُّها الجاهِلُ ذو التَّنَزِّي ** لا تُوْعِدَنِّي حَيَّةً بالنَّكْزِ

وقرأ ابنُ مسعود: {فَلَكَزه} و{فَنَكَزَه} باللام والنونِ.
قوله: {فقضى} أي: موسى، أو الله تعالى، أو ضميرُ الفعلِ أي: الوَكْزُ.
قوله: {مِنْ عَمَلِ} مِنْ وَسْوَسَتِه وتَسْوِيْلِه والإِشارةُ إلى القَتْلِ الصادرِ منه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}.
لمَّا كَمُلَتْ سِنُّه وتمَّ عقلُه، واستوى كمال خصاله {ءَاتَيْنَاهُ حُكْمًا} أي أَتْمَمْنَا له التحصيل، وَوَفَّرْنا له العلم، وبذلك جَرَتْ سُنَّتُنا مع الأكابر والأنبياء.
{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ}.
قوله جلّ ذكره: {وَدَخَلَ الْمَدِنَيةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَن هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} الآية.
قيل: دخل المدينةَ في وقت الهاجرة، وتَفَرُّقِ الناس، فَوَجَدَ فيها رجلين يتخاصمان: أحدهما إسرائيليٌّ من شيعة موسى وعلى دِينه، والآخرُ قِبطيٌّ مخالفٌ لهما، فاستغاث الإسرائيليُّ بموسى على القبطي، فوكَزَه موسى ليَدْفَعَه عن الإسرائيلي، فمات الرجلُ بذلك الوَكْز، ولم يكن موسى يقصد قَتْلَه، فقال موسى: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ}.
فقد تمنَّى موسى أنْ لو دَفَعَه عنه بأَيْسَرَ مما دفعه، ولم ينسب القتل إلى الشيطان، ولكنَّ دَفْعَهُ عنه بالغلظةِ نَسَبَه إلى الشيطان بأَنْ حَمَلَه على تلك الحِدَّة.
وهكذا، إذا أراده اللَّهُ أمرًا أجرى أسبابًا ليَحْصُلَ بها مرادُه، ولو أنه أراد فتنةَ موسى لَمَا قَبَضَ روحَ الرجلِ بمثل تلك الوكزة، فقد يُضْرَبُ الرجلُ الكثيرَ من الضَّرْبِ والسياط ثم لا يموت؛ فموتُ القبطي بوكزةٍ إجراءٌ لما قضاه وأراده.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)}.
تاب موسى عَمَّا جرى على يده، واستغفر ربَّه، وأخبر اللَّهُ أنه غَفَرَ له، ولا عتابَ بعد المغفرة. اهـ.

.تفسير الآيات (17- 19):

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبر، بتهيئه لنبوته، أخبر بما هو سبب لهجرته، وكأنها سنت بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال: {ودخل المدينة} أي مدينة فرعون آتيًا من قصره، لأنه كان عنده بمنزلة الولد، قال ابن جرير: وهي مدينة منف من مصر، وقال البغوي: وقيل: عين الشمس.
وقيل غير ذلك {على حين غفلة} قبل بعيد: وقيل بغير ذلك {من أهلها} أي إحكامًا لما جعلناه سببًا لنقلته منها طهارة من عشرة القوم الظالمين {فوجد فيها} أي المدينة {رجلين يقتتلان} أي يفعلان مقدمات القتل من الملازمة مع الخنق والضرب، وهما إسرائيلي وقبطي، ولذا قال مجيبًا لمن كأنه يسأل عنهما وهو ينظر إليهما: {هذا من شيعته} أي من بني إسرائيل قومه {وهذا من عدوه} أي القبط، وكان قد حصل لبني إسرائيل به عز لكونه ربيب الملك، مع أن مرضعته منهم، لا يظنون أن سبب ذلك الرضاع {فاستغاثه} أي طلب منه {الذي من شيعته} أن يغيثه {على الذي من عدوه فوكزه} أي فأجابه {موسى} فركز أي فطعن ودفع بيده العدو أو ضربه بجميع كفه، وكأنه كالكم، أو دفعه بأطراف أصابعه، وهو رجل أيد لم يعط أحد من أهل ذلك الزمان مثل ما أعطي من القوى الذاتية والمعنوية {فقضى} أي فأوقع القضاء الذي هو القضاء على الحقيقة، وهو الموت الذي لا ينجو منه بشر {عليه} فقتله وفرغ منه وكل شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه وخفي هذا على الناس لما هم فيه من الغفلة، فلم يشعر به أحد منهم.
ولما كان كأنه قيل: إن هذا الأمر عظيم، فما ترتب عليه من قول من أوتي حكمًا وعلمًا؟ أجيب بالإخبار عنه بأنه ندم عليه في الحال بقوله: {قال} أي موسى عليه السلام: {هذا} أي الفعل الذي جرك إليه الإسرائيلي {من عمل الشيطان} أي لأني لم أومر به على الخصوص، ولم يكن من قصدي وإن كان المقتول كافرًا؛ ثم أخبر عن حال الشيطان بما هو عالم به، مؤكدًا له حملًا لنفسه على شدة الاحتراس والحذر منه فقال: {إنه عدو} ومع كونه عدوًا ينبغي الحذر منه فهو {مضل} لا يقود إلى خير أصلًا، ومع ذلك فهو {مبين} أي عداوته وإضلاله في غاية البيان، ما في شيء منهما خفاء.
ولما كان هذا الكافر ليس فيه شيء غير الندم لكونه صلى الله عليه وسلم لم يأته في قتله إذن خاص، وكان قد أخبر عنه بالندم، تشوفت أنفس البصراء إلى الاستغفار عنه، علمًا منهم بأن عادة الأنبياء وأهل الدرجات العلية استعظام الهفوات، فأجيبوا بالإخبار عن مبادرته إلى ذلك بقوله: {قال} وأسقط أداة النداء، على عادة أهل الاصطفاء، فقال: {رب} أي أيها المحسن إليّ.
ولما كان حال المقدم على شيء دالة على إرادته فاستحسانه إياه، أكد قوله إعلامًا بأن باطنه على غير ما دل عليه ظاهرة فقال: {إني ظلمت نفسي} أي بالإقدام على ما لم يتقدم إليّ فيه إذن بالخصوص وإن كان مباحًا.
ولما كان المقرب قد يعد حسنة غيره سيئته، قال مسببًا عن ذلك: {فاغفر} أي امح هذه الهفوة عينها وأثرها {لي} أي لأجلي لا تؤاخذني {فغفر} أي أوقع المحو لذلك كما سأل إكرامًا {له} ثم علل ذلك بقوله مشيرًا إلى أن صفة غيره عدم بالنسبة إلى صفته مؤكدًا لذلك: {إنه هو} أي وحده {الغفور} أي البالغ في صفة الستر لكل من يريد {الرحيم} أي العظيم الرحمة بالإحسان بالتوفيق إلى الأفعال المرضية لمقام الإلهية، ولأجل أن هذه صفته، رده إلى فرعون وقومه حين أرسله إليهم فلم يقدروا على مؤاخذته بذلك بقصاص ولا غيره بعد أن نجاه منهم قبل الرسالة على غير قياس.
ولما أنعم عليه سبحانه بالإجابة إلى سؤله، تشوف السامع إلى شكره عليها فأجيب بقوله: {قال رب} أي أيها المحسن إليّ بكل جميل.
ولما كان جعل الشيء عوضًا لشيء أثبت له وأجدر بإمضاء العزم عليه قال: {بما أنعمت عليّ} أي بسبب إنعامك عليّ بالمغفرة وغيرها.
ولما كان في سياق التعظيم للنعمة، كرر حرف السبب تأكيدًا للكلام، وتعريفًا أن المقرون به مسبب عن الإنعام، وقرنه بأداة النفي الدالة على التأكيد فقال: {فلن أكون ظهيرًا} أي عشيرًا أو خليطًا أو معينًا {للمجرمين} أي القاطعين لما أمر الله به أن يوصل، أي لا أكون بين ظهراني القبط، فإن فسادهم كثير، وظلمهم لعبادك أبناء أوليائك متواصل وكبير، لا قدرة لي على ترك نصرتهم، وذلك يجر إلى أمثال هذه الفعلة، فلا أصلح من المهاجرة لهم، وهذا من قول العرب: جاءنا في ظهرته- بالضم وبالكسر وبالتحريك، وظاهرته، أي عشيرته.
ولما ذكر القتل وأتبعه ما هو الأهم من أمره بالنظر إلى الآخرة، ذكر ما تسبب عنه من أحوال الدنيا فقال: {فأصبح} أي موسى عليه الصلاة والسلام {في المدينة} أي التي قتل القتيل فيها {خائفًا} أي بسبب قتله له {يترقب} أي لازم الخوف كثير الالتفات برقبته ذعرًا من طارقة تطرقه في ذلك، قال البغوي: والترقب: انتظار المكروه.
{فإذا} أي ففجئه {الذي استنصره} أي طلب نصرته من شيعته {بالأمس} أي اليوم الذي يلي يوم الاستصراخ من قبله {يستصرخه} أي يطلب ما يزيل ما يصرخ بسببه من الضر من قبطي آخر كان يظلمه، فكأنه قيل: فما قال له موسى بعدما أوقعه فيما يكره؟ فقيل: {قال له} أي لهذا المستصرخ {موسى}.
ولما كان الحال متقضيًا أن ذلك الإسرائيلي يمكث مدة لا يخاصم أحدًا خوفًا من جريرة ذلك القتيل، أكد قوله: {إنك لغوي} أي صاحب ضلال بالغ {مبين} أي واضح الضلال غير خفيه، لكون ما وقع بالأمس لم يكفك عن الخصومة لمن لا تطيقه وإن كنت مظلومًا؛ ثم دنا منهما لينصره؛ ثم قال مشيرًا بالفاء إلى المبادرة إلى إصراخه: {فلما} وأثبت الحرف الذي أصله المصدر تأكيدًا لمعنى الإرادة فقال: {أن أراد} أي شاء، وطلب وقصد مصدقًا ذلك بالمشي {أن يبطش} أي موسى عليه الصلاة والسلام {بالذي هو عدو لهما} أي من القبط بأخذه بعنف وسطوة لخلاص الإسرائيلي منه {قال} أي الإسرائيلي الغوي لأجل ما رأى من غضبه وكلمه به من الكلام الغص ظانًا أنه ما دنا إلا يريد البطش به هو، لما أوقعه فيه لا بعدوه: {يا موسى} ناصًا عليه باسمه العلم دفعًا لكل لبس منكر الفعلة الذي اعتقده لما رآه من دنوه إليهما غضبان وهو يذمه {أتريد أن تقتلني} أي اليوم وأنا من شيعتك {كما قتلت نفسًا بالأمس} أي من شيعة أعدائنا، والذي دل على أن الإسرائيلي هو الذي قال له هذا الكلام السياق بكون الكلام معه- بما أشير إليه بدخول المدينة على حين غفلة من أنهم لم يره أحد غير الإسرائيلي، وبقوله: {عدو لهما} من ذم الإسرائيلي كما صرح به موسى عليه الصلاة والسلام.
ولما نم عليه وأفشى ما لا يعلمه غيره، خاف غائلته فزاد في الإغراء به.
مؤكدًا بقوله: {إن} أي ما {تريد إلا أن تكون} أي كونًا راسخًا {جبارًا} أي قاهرًا غالبًا؛ قال أبو حيان: وشأن الجبار أن يقتل بغير حق.
{في الأرض} أي التي تكون بها فلا يكون فوقك أحد {وما تريد} أي يتجدد لك إرادة {أن تكون} أي بما هو لك كالجبلة {من المصلحين} أي العريقين في الصلاح، فإن المصلح بين الناس لا يصل إلى القتل على هذه الصورة، فلما سمع الفرعوني هذا ترك الإسرائيلي، وكانوا- لما قتل ذلك القبطي- ظنوا في بني إسرائيل، فأغروا فرعون بهم فقال: هل من بينة، فإن الملك وإن كان صفوة مع قومه لا ينبغي له أن يقيد بغير بينة ولا ثبت- كما ذكر ذلك في حديث المفتون الذي رواه أبو يعلى عن ابن عباس رضى الله عنهما، فلما قال هذا الغوي هذه المقالة تحقق الأمر في موسى عليه الصلاة والسلام. اهـ.